الطريقة التقليدية للحياة
نقل المعسكر بحثًا عن الصيد كان من الأمور الشائعة في حياة معظم جماعات الإسكيمو حيث كانوا ينتقلون خلال العام الواحد عدة مرات، بحثاً عن حيوان الكاريبو، والفقمات أو الحيوانات الأخرى.
عاش الإسكيمو منذ آلاف السنين حياة تختلف اختلافًا كاملاً عن حياة أي شعب آخر. فلا يستطيع أي شعب آخر أن يأكل الطعام الذي يأكلونه، أو أن يلبس الثياب التي يلبسونها أو أن يقطن المنازل التي يقطنونها. ولقد تميز الإسكيمو بوسائل انتقال وطرق صيد ولغة خاصة بهم. وطوَّروا ـ أيضًا ـ أسلوبهم الخاص في الحياة مما مكنهم من البقاء في بلادهم القاسية. وقد ساعد ذلك في عزلتهم عن الشعوب الأخرى. وكانت صلات معظم الإسكيمو مقتصرة على الإسكيمو الآخرين. وكانوا يلتقون بين الفينة والأخرى بالهنود الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في جنوب بلاد الإسكيمو. ولكن معظم هذه اللقاءات لم تكن ودية ولذا قل تبادل البضائع والأفكار بينهم.
وكانت طريقة حياة الإسكيمو تتنوع إلى حد ما تبعًا لتنوع فصول السنة وتنوع المناطق. فعلى سبيل المثال، يقطن بعض الإسكيمو في بعض المناطق في بيوت من الثلج خلال أشهر الشتاء، بينما يقطن آخرون في أكواخ من الأعشاب خلال الشتاء. أما في خلال فصل الصيف فإن الإسكيمو كلهم يعيشون في خيام يصنعونها من جلود الحيوانات.
وعلى النقيض من جماعات الهنود الأمريكيين، لم يكن لدى الإسكيمو قبائل أو زعماء. ولكنهم شكلوا في بعض المناطق المختلفة جماعات ثقافية منفصلة. وقد حدِّدت أماكن وجود هذه الجماعات على الخريطة المبينة في الجزء المتقدم من هذه المقالة. وتحكم الإسكيمو في كل جماعة ثقافية تقاليد خاصة وهم يتبعون أسلوبًا في الحياة يختلف اختلافًا طفيفًا عن أي جماعة أخرى. ويعيش معظم الإسكيمو حياتهم كلها في محيط جماعتهم الثقافية الخاصة.
ويصف هذا الجزء من المقالة الأسلوب التقليدي لحياة الإسكيمو الكنديين قبل أن يصل الأوروبيون إلى الشرق الأقصى. ولم يعد هذا الأسلوب موجودًا الآن لدى معظم الإسكيمو الكنديين.
في داخل بيت الثلج ـ وهو أحد أنواع بيوت الإسكيمو التقليدية العديدة ـ تجلس إحدى أسر الإسكيمو وتنام على منصة من الثلج مغطاة بجلود الحيوانات. وكان الإسكيمو يبنون فيها حواجز أو أرففًا يعلقون عليها أواني الطهو والملابس المبللة والجلود.
الحياة الجماعية. خلال كل مجموعة ثقافية، عاش الإسكيمو في جماعات أصغر. وقد تنوعت هذه الجماعات من حيث الحجم، فتنوعت من الأسرة الواحدة إلى بضعة مئات من الناس. وقد تأثر حجم هذه الجماعات بنوع الصيد الذي يقومون به. ففي شمال كندا، على سبيل المثال، كانت تتجمع أعداد كبيرة من الجماعات خلال فصل الشتاء لصيد الفقمات. أما بقية فصول السنة فكانوا ينقسمون إلى جماعات أصغر بحثًا عن الكاريبو والأسماك والفقمات وأنواع الصيد الأخرى. وعلى النقيض من هؤلاء كان الإسكيمو الذين يعيشون في شمال ألاسكا يتجمعون بأعداد كبيرة في فصلي الصيف والخريف لصيد الكاريبو.
وكانت العادات والتقاليد هي التي تحكم الإسكيمو لا القوانين. وكان الصراع من أجل البقاء والعيش في سلام مع الآخرين في الجماعة من أهم مبادئ الإسكيمو. وكانوا يقدمون الطعام وضروريات الحياة الأخرى لمن لا يقومون بالمساعدة في الصيد والأعمال الأخرى، ولكنهم كانوا يحتقرونهم.
يحاول الإسكيمو تجنب المجادلات والخلافات، ولكن إذا ما نشب نزاع بين رجلين، على سبيل المثال، فقد يتقاتلان لتسوية هذا النزاع أو يُسوَّى عن طريق إقامة مباراة بينهما لاختبار قدرة تحمل كل منهما، والذي يفقد سيطرته يخسر المباراة. وقد يأمر كبار السن والعقلاء بإعدام شخص ما إذا ارتكب جريمة قتل أو أية جريمة أخرى مماثلة.
وفي معظم المناطق، تتكون أسرة الإسكيمو من الزوج والزوجة والأولاد غير المتزوجين، ومن البنين المتزوجين وزوجاتهم وأولادهم. ويبلغ عدد أفراد مثل هذه العوائل 20 شخصًا؛ وكانوا جميعًا يعيشون في منزل واحد أو مجموعة من الخيام وكانت الأسر المكونة من الزوج والزوجة والأطفال غير المتزوجين هي الأقل شيوعًا.
وكان الإسكيمو يُنزلون الأطفال منزلة عالية ونادرًا ما كانوا يعاقبونهم وعادة يقوم الوالدان باختيار زوجات أولادهم منذ الطفولة المبكرة. وكان معظم الإسكيمو يتزوجون في مرحلة المراهقة ولم تكن هناك حفلات زواج، إنما كان الرجل يأخذ شريكة حياته ويسلك بها دروب الحياة القاسية.
الطعام. عاش الإسكيمو على لحوم الحيتان والفقمات والكاريبو. وكانوا يأكلون أيضًا السمك، ولحوم الطيور، وثيران المسك والدببة والتوت والجذور والسيقان وأجزاء أخرى من نباتات معينة. وكانوا يجدون مثل هذه الأطعمة خلال الأشهر الأكثر دفئًا فقط ولكن بكميات قليلة.
وفي معظم الأوقات، كان الإسكيمو يأكلون اللحم نيئًا وذلك لقلة وجود الأخشاب أو عدمها، أو أي وقود آخر لإشعال النار. وكانوا في بعض الأحيان يطبخون اللحم على المصابيح التي تشعل بالزيت الذي يستمدونه من شحوم الفقمات أو ثدييات البحر الأخرى. وكان إعداد الطعام بهذه الطريقة يستغرق وقتًا طويلاً حتى ينضج على الحرارة الضعيفة المنبعثة من هذه المصابيح.
وكان الإسكيمو يأكلون عدة وجبات صغيرة في اليوم عادة. وإضافة إلى لحوم الفقمات والكاريبو، فإن من بين وجباتهم المفضلة كبد الولرس (الفظّ) الشبيه بالفقمة وجلود الحيتان. ويفضل الإسكيمو أكل محتويات معدة الكاريبو التي لم تهضم بعد، كما كانوا يشربون حساءً مصنوعاً من خليط الماء الحار ودماء الفقمات.
وكان الإسكيمو يصنعون المصابيح وأواني الطهي من الصخر الناعم الذي يطلق عليه الحجر الصابوني. كما استخدموا أطباقًا خشبية، ومغارف مصنوعة من العظام، وأكوابًا للشرب مصنوعة من قرون ثيران المسك واستخدمت النسوة في أعمالهن المنزلية سكاكين هلالية الشكل تسمى أولو. وكانت هذه السكاكين تصنع من مواد عدة.
صيد الحيوانات والأسماك. يتكون كل طعام الإسكيمو تقريبًا من صيد الحيوانات والأسماك. كما أمدهم الصيد أيضًا بالمواد التي كانوا يصنعون منها ملابسهم ومساكنهم أو يصنعون منها أدواتهم وأسلحتهم. وكان الإسكيمو يصطادون الفقمات والكاريبو، في المقام الأول، إلا أنهم كانوا يصطادون أيضًا ثيران المسك، والدببة القطبية، والحيتان، والطيور.
وكانوا يصطادون الفقمات بوسائل صيد مختلفة وفي مواسم مختلفة أيضًا. ففي فصلي الخريف والشتاء، كانوا يصطادون الفقمات من الثلوج التي تنتشر على الشاطئ. حيث كانت الفقمات تقوم بعمل فتحات في الثلج، لكي تتنفس من خلالها. وكان الصيادون يتربصون حول هذه الفتحات ويقومون بقتلها عندما تطفو على سطح الماء لتتنفس. كما كانوا يصطادون الفقمات أيضًا من على حواف الجبال الجليدية خلال هذين الفصلين.
وفي فصل الربيع، تصعد الفقمات على الثلوج لتنام، فيصطادها الصيادون. وكانت هذه الوسيلة تتطلب مهارة خاصة، لأن الفقمات تصحو مرة أو مرتين كل دقيقة لترقب ما حولها تحسبًا للخطر. ويتعين على الصياد أن يقترب من الفقمة زحفًا وبحرص شديد، وعليه أن يقلد حركات هذا الحيوان كلما رفع الحيوان رأسه. أما في فصل الصيف حيث لا يغطي الجليد المياه الساحلية، فقد كان الإسكيمو يصطادون الفقمات بوساطة قوارب الكياك.
ويستخدم الإسكيمو الحربون (وهو رمح يستخدم لصيد الحيتان). وكانت هذه الرماح ذات رؤوس حجرية أو عظمية، أما قصبة الرمح فكانت تصنع من الخشب أو من قرون الوعل. وكان الحربون يصمم بحيث يُربط رأسه إلى القصبة بحبل طويل، ثم ينفصل عن القصبة عندما يصيب الحربون أحد الفقمات.
وعند صيد الفقمات بوساطة الكياك، يقوم أحد رجال الإسكيمو بربط خيط طويل من جلد الفقمة إلى طرف الحربون. ثم يقوم إما بإمساك نهاية الخيط وهو يصوب الرمح أو بربط الخيط إلى عوامة كبيرة من جلد الفقمة تكون منتفخة بالهواء. وبهذه الطريقة، يكون بإمكان الصياد منع العجل الجريح من الهرب.
أما عن طريقة صيد الفقمات على ثلوج البحر فيقوم الإسكيمو بتثبيت خيط قصير من جلد الفقمة إلى رأس الحربون.
يقوم الإسكيمو في معظم المناطق بصيد الكاريبو في فصلي الصيف والخريف بعد انتقال هذه الحيوانات إلى الشمال تاركة أرض الغابات. وكان النساء والأطفال يقومون عادة بمطاردة قطيع الكاريبو ودفعه نحو الرجال الذين كانوا ينصبون له الفخاخ بالرماح أو الأقواس والسهام. وأحيانًا كان الإسكيمو يدفعون الكاريبو إلى حُفر خفية. وكانوا يصطادون الكاريبو أيضًا برماح صيد الحيتان بوساطة قوارب الكياك في أثناء سباحتها عبر البحيرات أو الأنهار. وقد يقوم أحد الإسكيمو بمفرده بصيد الكاريبو بالقوس أو السهم أحيانًا.
وكانت معظم سهام ورماح وحراب الإسكيمو ـ كالحربون ـ ذات رؤوس من الحجارة أو العظم. أما الأقواس وقصبات الرماح والحراب والسهام فكانت تصنع من الخشب، وإن كان بعضها يصنع من قرون الوعول أو ثيران المسك.
وكان الإسكيمو يصطادون الأسماك برماح ذات رؤوس متعددة أو بصنارة الصيد المصنوعة من العظم أو من قرون الوعل. واستخدم الإسكيمو الشباك في صيد الأسماك في كل من ألاسكا وسيبريا. وكانوا يصطادون الأسماك طوال أيام السنة من خلال فتحات في الثلج. أما في فصل الصيف فيصنعون عوائق أو سدودًًا من الأحجار في مجاري الأنهار والجداول لحبس الأسماك وصيدها.
الدين. يعتقد الإسكيمو أن أرواحًا قوية تتحكم في الطبيعة، كما يعتقدون أن للناس والحيوانات أرواحًا تعيش في عالم آخر بعد الموت وكانوا يظنون أنهم إذا خالفوا الأرواح فسوف تعاقبهم بإصابتهم بالمرض أو بأيِّ مصيبة أخرى.
وشمل اعتقادهم هذا أرواحًا عديدة للريح والطقس والشمس والقمر. ومن أهم هذه الأرواح روح ربة البحر سيدْنا، التي كانت تعيش في قاع المحيط وتتحكم في الفقمات، والحيتان والحيوانات البحرية الأخرى. وكانوا يعتقدون أنهم إذا لم يُرضوا ربة البحر هذه فسوف تبعد الحيوانات عنهم. ولإرضائها كانوا يتبعون قواعد معينة في التعامل مع حيوانات البحر. فعلى سبيل المثال، كان الإسكيمو في بعض أجزاء من ألاسكا يحتفظون بمثانات الفقمات التي يصطادونها، ثم يقومون بإلقائها في البحر خلال احتفالات خاصة يؤدونها كل سنة.
وكانت وفاة أحد الإسكيمو تتطلب طقوسًا خاصة، فكانوا في معظم المناطق يلفون الجثمان بجلود الحيوانات، ثم يسحبونه إلى التندرا (السهل الأجرد في المنطقة القطبية)، ويحيطونه بدائرة من الأحجار. وكانوا يضعون أدواته ومتعلقاته الأخرى بجوار الجثة لكي تستخدمها الروح ـ حسب اعتقادهم ـ في العالم الآخر.
وتضم جماعة الإسكيمو عادة رجلاً أو امرأة يعتقد أن لديه القدرة على الاتصال بالأرواح. وكان هذا الشخص يدعى أنجاتكوك عند الإسكيمو، وشامان عند البيض. ويحاول شامان أن يجلب لهم الطقس الجيد، ويعالج المرضى ويزيد من حصيلة الصيد، ويأتي بالحظُوظ الطيبة الأخرى.
ممارسة الألعاب ساعدت الإسكيمو في قضاء ساعات طويلة خلال ظلمة الشتاء الحالكة. وفي إحدى هذه الألعاب التي تسمى نجلجاكتوك ويقوم اللاعبون بمحاولة تمرير القصبة عبر فتحة فى أحد العظام المعلقة في خيط يتدلى من السقف، وأول شخص يتمكن من ذلك يكسب اللعبة.
الترويح. أحب الإسكيمو الترويح، خاصة في فصل الشتاء، حيث كانت العواصف والظلام الطويل تجبرهم على البقاء داخل بيوتهم لوقت طويل. وكان الرجال يستمتعون بألعاب المصارعة وشد الحبل واختبارات القوة الأخرى. كما عشقوا أيضًا تأدية حركات على حبل من الجلد مشدود بين جدران البيت من الداخل. وكانوا يستمتعون بالغناء وسرد القصص عن أبطال أسطوريين. ويعشقون الرقص على دقات الطبول.
الفن. زين الإسكيمو الأشياء التي كانوا يستخدمونها كل يوم. فزينوا ملابسهم بالفراء وبأزرار عاجية محفورة على أشكال الفقمات والأسماك والحيوانات الأخرى،كما زينوا أدواتهم وأسلحتهم وأشياءهم الأخرى بنحوت ورسومات. وقد صنعوا العديد من المنحوتات العظمية أو العاجية لحيوانات يستخدمها الأطفال في اللعب.
اللغة. كان الإسكيمو يتحدثون لغة نشأت وتطورت بمعزل عن كل اللغات الأخرى. وقد تنوعت لغة الإسكيمو ولكن في حدود ضيقة حسب المناطق. ولكن الإسكيمو في شمال شرقي سيبريا وجنوبي ألاسكا ـ بما فيها جزر ألاسكا ـ كانوا يتحدثون لغات عديدة تختلف كثيرا فيما بينها كما تختلف عن لغات سائر الإسكيمو.
وقد أنشأ الإسكيمو كثيرًًا من الكلمات عن طريق ضم كلمات أحادية المقطع بعضها إلى بعض. واشتمل الكثير من الكلمات التي نشأت بهذه الطريقة على خمسة مقاطع أو أكثر. كما كان لدى الإسكيمو في معظم المناطق أكثر من كلمة واحدة للأشياء كافةً. فعلى سبيل المثال، كانت لديهم كلمات كثيرة للفقمة. ويعتمد اختيار إحدى هذه الكلمات على حالة الحيوان نفسه صغيرًًا كان أو كبيرًًا وهل يعيش في المياه أم على اليابسة. واعتمد كذلك على عدد من الظروف الأخرى. ولم يكن لدى الإسكيمو نظام للكتابة.
نبذة تاريخية
التاريخ القديم. نشأ أسلاف الإسكيمو في شمال شرقي آسيا. ويرى معظم العلماء أن الإسكيمو جاءوا إلى ما يعرف اليوم بألاسكا عبر ممر أرضي كان يربط بين آسيا والمنطقة الشمالية من أمريكا منذ ما يقرب من 10,000 عام تقريبًا. ثم اتجه الإسكيمو من ألاسكا ناحية الشرق، حيث توجد المنطقة القطبية لقارة أمريكا الشمالية.
ويرى الخبراء أن الإسكيمو انتشروا من ألاسكا إلى ما يعرف اليوم بجرينلاند في حركتين كبيرتين. بدأت الأولى منذ مايقرب من 5,000 سنة. ومن الجائز أن تكون الثانية قد بدأت منذ أقل من 1,200 سنة تقريبًا. ولايعرف العلماء بدقة المدة التي استغرقتها كل من الحركتين. ولكن في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الثانية، كانت سلالة الإسكيمو التي قامت بحركة الهجرة الأولى قد انقرضت. ويُعد هؤلاء الذين قاموا بالهجرة الثانية أسلاف الإسكيمو الذين يعيشون اليوم في كل من جرينلاند وكندا وشمال شرق ألاسكا